يتهمونه بالهرطقة
ان الياندر بكل ما كان لديه من علم وفصاحة نصب نفسه لهدم الحق . لقد قدم ضد لوثر تهمة في اثر تهمة قائلا عنه أنه عدو الكنيسة والدولة، عدو الاحياء والموتى، عدو الاكليروس والعلمانيين، وعدو المسيحيين مجالس وافراد ا. وقد أعلن قائلا: ”ان في اخطاء لوثر وضلالاته ما يكفي لحرق مئة الف هرطوقي“. وفي ختام خطابه حاول أن يلقي الاحتقار على مع تنقي العقيدة المصلحة فقال: ”ما هؤلاء اللوثريون جميعا؟ انهم جماعة من الكهنة والمعلمين السفهاء والرهبان الفاسقين والمحامين الجهلة والنبلاء المنحطين مع عامة الشعب الذين قد أضلوهم وافسدوهم . ولكن كم يفوقهم ويسمو عليهم الحزب الكاثوليكي في العدد والمقدرة والقوة ! ان قرارا باجماع الآراء يصدره هذا المجلس الشهير كفيل بأن ينير السذج البسطاء ويحذر الغافلين العديمي الفطنة ويثبت المتقلقلين المترددين ويمنح الضعفاء قوة“ (٨٣).GC 163.1
بمثل هذه الاسلحة هوجم دعاة الحق في كل عصر . وهذه الحجج نفسها لا تزال تواجه كل من يتجرأ على تقديم تع اليم كلمة الله الواضحة الصريحة لمقاومة الضلالات الراسخة . ان من يرغبون في ديانة رخيصة يصرخون قائلين: ”من هؤلاء الذين يكرزون بدين جديد؟ انهم عديمو العلم وقليلو العدد ومن الطبقات الفقيرة . ومع ذلك فانهم يدَّعون أن الحق بجانبهم وانهم شعب الله المختار. انهم جهلة ومخدوعون، وكم تفوقهم كنيستنا في العدد والنفوذ ! وما اكثر العظماء والعلماء بيننا! وما أعظم السلطان الذي يناصرن ا!“ هذه هي الحجج التي لها التأثير الفعال على العالم، ولكنها ما عادت قاطعة الآن اكثر مما كانت في ايام المصلح.GC 163.2
ان الاصلاح لم يندثر بموت لوثر كم ا يظن كثيرون . انه سيظل باقيا الى نهاية تاريخ هذا العالم . لقد كان لدى لوثر عمل عظيم اذ قد عكس على الآخرين النور الذي سمح الله بأن يشرق عليه . ومع ذلك فهو لم يحصل على كل النور الذي كان معدا لان يعطى للعالم . فمنذ ذلك الحين الى يومنا هذا وكل يوم يكشف لنا عن نو ر جديد يشرق على الكتاب المقدس، وكانت حقائق كثيرة تنكشف باستمرار.GC 163.3
احدث خطاب مبعوث البابا اثرا عميقا في نفوس اعضاء المجمع . لم يكن لوثر حاضرا بما لديه من حقائق كلمة الله الواضحة المقنعة ليهزم البطل البابوي . ولم يُبذل أي مسعى للدفاع عن المصلح . وكان هنالك اتج اه عام ظاهر لا لادانته هو وتعاليمه فحسب، بل ايضا لاستئصال تلك الهرطقة لو كان ذلك ممكن ا. لقد تمتعت روما بأعظم فرصة مواتية للدفاع عن قضيتها، وقالت كل ما في وسعها ان تقوله لتزكية نفسه ا. لكنّ نصرتها الظاهرة كانت دليل الهزيمة . ومنذ ذلك الحين كان الفارق بين الحق والضلال سيظهر واضحا وجليا عندما يشتبكان في حرب علنية . ومنذ ذلك اليوم لم تعد روما قادرة ان تقف آمنة ثابتة كما كانت قبلا.GC 164.1
ولكن في حين ان معظم اعضاء المجلس ما كانوا ليترددوا في تسليم لوثر لغضب روما وانتقامها فان كثيرين منهم رأوا الفساد المتفشي في ا لكنيسة وحزنوا لذلك ورغبوا في ازالة الفضائح وسوء المعاملة التي كان الشعب الالماني يتحملها نتيجة لفساد حكومة البابا وجشعه ا. لقد عرض السفير حكم البابا في أجمل نور خلاب . أما الآن فها هو الرب يحرك احد اعضاء المجلس ليقدم صورة حقيقية لآثار طغيان البابوية . فبكل نبل وثبات وقف الدوق جورج السكسوني في ذلك الحفل العظيم وطفق يسرد بدقة مرعبة مخاتلات البابوية ورجاساتها ونتائجها الفظيعة. وفي ختام كلامه قال:GC 164.2
”هذا قليل من كثير من الفضائح الصارخة ضد روم ا. لقد طُرح الخجل والاستحياء جانبا، وكل ما تهدف روما اليه انما هو المال، ا لمال، المال ... بحيث ان المبشرين الذين ينبغي الا يعلموا غير الحق لا ينطقون بغير الاكاذيب، ولا يُكتفى بالسكوت عنهم والتساهل معهم بل يكافأون على ذلك لأنه بقدر ما تكثر اكاذيبهم تزداد ارباحهم . ومن هذا النبع القذر الفاسد تفيض هذه المياه الملوثة . أن الدعارة تمد يدها الى الطمع ... واأسفاه! ان الفضائح التي يرتكبها رجال الاكليروس تقذف بنفوس كثيرة مسكينة الى الهلاك الابدي . فلا بد أن يتم اصلاح عام!“ (٨٤).GC 164.3
إن لوثر نفسه لم يكن في مقدوره أن يسرد كل تلك الفضائح البابوية، وإن حقيقة كون المتكلم من ألد أعداء المصلح أضفت على أقواله تأثيراً أعظم.GC 165.1
ولو أن أعضاء المجلس فتحوا عيونهم لكانوا قد رأوا ملائكة الله في وسطهم يسلطون اشعة النور على ظلمات الضلال ويفتحون العقول والقلوب لقبول الحق . أن قوة اله الحق والحكمة هي التي سيطرت حتى على خصوم الاصلاح، وهكذا مهدت الطريق للعمل العظيم العتيد . لم يكن مارتن لوثر حاضرا في ذلك المجلس، لكنّ الله الذي هو أعظم من لوثر أسمع اولئك المجتمعين صوته الذي هو صوت الحق.GC 165.2