Loading...
Larger font
Smaller font
Copy
Print
Contents

الصراع العظيم

 - Contents
  • Results
  • Related
  • Featured
No results found for: "".
  • Weighted Relevancy
  • Content Sequence
  • Relevancy
  • Earliest First
  • Latest First
    Larger font
    Smaller font
    Copy
    Print
    Contents

    حكم ارهابي

    اتخذت الاجراءات في الحال للقبض على كل اتباع لوثر في باريس . وكان صانع فقير من معتنقي الايمان المصل ح معتادا أن يدعو المؤمنين لحضور الاجتماعات التي كانت تعقد في الخفاء، فقبض عليه وهُدد بالقتل في الحال حرقا بالنار اذا لم يرشد مبعوث البابا الى بيت كل بروتستانتي في المدينة . فارتجف رعبا أمام ذلك الاقتراح الدنيء، لكن خوفه من الموت احتراقا انتصر عليه في النها ية فرضي بان يسلِّم اخوته .فسار الخائن مع مورين المخبر السري الملكي، وحولهما جماعة من الكهنة وحاملي المباخر والرهبان والجند، في شوارع المدينة . كان القصد من هذه المظاهرة ظاهريا تكريم ”القربان المقدس“، والتكفير عن الاهانة التي لحقت بذبيحة القد اس من البروتستانت، ولكن كان يختفي خلف هذا المهرجان قصد مهلك مميت . فلدى وصولهم مقابل بيت أحد اللوثريين كان الخائن يومئ خفية، فيتوقف الموكب ويدخل الاعداء البيت، ويسحبون أفراد العائلة ويكبلونهم بالقيود . وكانت تلك الجماعة الرهيبة تتقدم الى الا مام بحثا عن ضحايا جديدة. ”انهم لم يُبقوا على بيت واحد عظيما كان أو صغيرا، حتى كليات جامعة باريس ... لقد أرعب مورين المدينة كلها ... كان ذلك الحكم حكم الارهاب“ (٢٠٤).GC 250.2

    وقد قُتلت كل تلك الضحايا بعدعذابات قاسية . وكان هناك أمر خاص يقضي بان تكون النار خفيفة حتى تطول مدة عذاباتهم. لكنهم ماتوا منتصرين . فلم يتزعزع ثباتهم ولا عكر سلامَهم معكر . واذ عجز المضطهدون عن زعزعة ثبات أولئك الشهداء الذي لا يلين أحسوا بانهم قد انهزموا. ”لقد نصبت المشانق في كل أحياء باريس، وتبع ذلك الحرق بالنار في أيام متتابعة، وكان القصد من ذلك نشر الذعر من الهرطقة بنشر القتل والاعدام في كل مكان. ومع ذلك ففي النهاية كانت كفة الانجيل هي الراجحة . لقد استطاع كل أهل باريس أن يروا أي نوع من الرجال هم أولئك الذين خلقتهم تلك الآراء الحديثة. لم تكن هنا لك منصة أفضل من منصة كل شهيد وهو يموت احتراق ا. فذلك الفرح الرصين الذي أنار وجوه هؤلاء الرجال وهم يسيرون ... الى ساحة الاعدام، والبطولة التي أبدوها وهم واقفون في وسط النيران المشتعلة، ووداعتهم وصفحهم عن تلك المظالم جعلت غضب بعض المشاهدين ينقلب الى اشفاق وبغضتهم الى محبة، وكان دفاعا ينطق بأفصح لسان وأقوى حجة في صالح الانجيل“ (٢٠٥).GC 251.1

    واذ كان الكهنة يحرصون على أن يجعلوا حنق الشعب على أشده أشاعوا أرهب التهم ضد البروتستانت . فلقد اتهموهم بالتآمر على ذبح الكاثوليك وقلب الحكومة وقتل الملك . لكنّ كل هذه الادعاءات لم يكن هنالك ظل من برهان على صدقه ا. ومع ذلك فان هذه التنبؤات عن الشر كانت ستتم في ظروف تختلف عن هذه الظروف اختلافا بينا ولاسباب من نوع مختلف. فاعمال القسوة التي ارتكبها الكاثوليك ضد البروتستانت الابرياء تجمعت في جزاء ثقيل رهيب، وبعد ذلك بقرون أوقعت بهم الهلاك الذي تنبأوا بانه يتهددهم، ملكا وحكومة وشعب ا. لكنه جزاء وقع عليهم بأيدي الملحدين والبابويين أنفسهم . فلم يكن توطيد دعائم البروتستانتية بل هو كبحها وكبتها ما سيوقع بفرنسا كوارث هائلة بعد قرابة ٣٠٠ سنة.GC 251.2

    في ذلك الوقت شملت الشبهات والشكوك والرعب كل طبقات المجتمع. وفي وسط الذعر العام رأى الناس الى أي حد تأصلت التعاليم اللوثرية في عقول الرجال الذين كانوا قد تلقوا أعلى تعليم وتمتعوا باعظم نفوذ وتحلوا بالاخلاق السام ية. لقد وجدوا أن وظائف كثيرة سامية ومهمة قد خلت من أصحابه ا. واختفى كثيرون من الصناع ورجال المطابع والعلماء وأساتذة الجامعات والمؤلفين، وحتى ندماء الملك . وهرب مئات من باريس، نفوا أنفسهم من وطنهم، وفي حالات كثيرة قدموا اول اخطار على انحي ازهم للعقيدة المصلحة. وقد جعل البابويون ينظرون حولهم في ذهول وهم يفكرون في الهراطقة الذين عاشوا بين ظهرانيهم من دون أن يثيروا الشبهات . وقد صبوا جامات غضبهم على جماهير الضحايا من الفقراء الذين كانوا في قبضة أيديهم . واكتظت السجون بالابرياء واظلمت السماء بالدخ ان المتصاعد من المحرقات المنصوبة لقتل المعترفين بالانجيل.GC 252.1

    لقد كان فرنسيس الاول يتشدق بانه قائد في حركة النهضة التي بدأت في أوائل القرن السادس عشر، وسره أن يجمع في بلاطه رجالا علماء من كل البلدان . وكان التسامح القليل الذي أظهره للا صلاح يعزى نوعا ما الى حبه العلم واحتقاره جهل الرهبان وخرافاتهم . ولكن اذ دفعته غيرته الى استئصال الهرطقة أصدر من كان نصيرا للعلم ومحبا للعلماء منشورا بإلغاء الطباعة في كل أنحاء فرنسا ! وهو بذلك يقدم الينا مثالا، ضمن أمثلة كثيرة سجلها التاريخ، ع ن أن الثقافة العقلية ليست واقية للانسان من التعصب الديني والاضطهاد.GC 252.2

    كانت فرنسا عازمة على ملاشاة البروتستانتية في احتفال مقدس عام . وقال الكهنة ان الاهانة التي بلغت الى عنان السماء بذم ذبيحة القداس يجب غسلها بالدم، وإن الملك يجب أن ينوب عن شعبه في التصديق عل ى ذلك العمل المخيف.GC 253.1

    وتقرر أن يكون اليوم الحادي والعشرون من شهر كانون الثاني (يناير) عام ١٥٣٥ اليوم المعين للقيام بذلك الاحتفال الرهيب . فثارت المخاوف الوهمية والكراهية المتعصبة العمياء في قلوب الامة جمعاء . واجتمعت في باريس جماهير من الناس القادمين من الار ياف المحيطة بها فامتلأت بهم الشوارع . كان ذلك اليوم سيُبدأ بموكب مهيب ”وقد عُلقت على البيوت المحيطة بالشوارع أقمشة حداد سوداء، كما أقيمت مذابح متباعدة“. وأضيء سراج أمام كل باب تكريما ”للسر المقدس“. ”وقبل الفجر بدأ الموكب يتجمع أمام قصر الملك . في مقدّمه جاءت أعلام الابروشيات المتعددة وصلبانها، وبعدها سار المواطنون اثنين اثنين حاملين السرج“. ثم أقبلت الرهبانيات الاربع، كل منها في زيها الخاص. وأتي بعد ذلك بمجموعة من الذخائر الشهيرة وخلفها رجال الاكليروس الاشراف في حللهم الارجوانية والقرمزية، وثيابهم ا لزاهية الجميلة البراقة، وقد غمرتهم الزينات المجملة بالجواهر.GC 253.2

    ”وحمل أسقف باريس ذبيحة القربان تحت مظلة فخمة ... يحملها أربعة من أمراء البيت المالك ... وخلف القربان الملك فرنسيس الاول الذي لم يلبس في ذلك اليوم لا تاج الملك ولا الحلة الملوكية“. ”فاذ كان ملك فرنسا حاسر الرأس وهو متجه ببصره الى الارض وفي يده سراج منير“ ظهر ”في هيئة انسان تائب نادم“ (٢٠٦). وكان يجثو أمام كل مذبح بكل تذلل ليس لاجل الرذائل التي تنجست بها روحه أو الدم الزكي الذي تلوثت به يداه لأجل الخطيئة المميتة التي ارتكبها رعاياه الذين تجرأوا على ادانة ذبيحة القداس. وبعده جاءت الملكة ورؤساء الدولة وهم يسيرون اثنين اثنين وكل يحمل سراجا منيرا.GC 253.3

    وكجزء من خدمات ذلك اليوم خاطب الملك رجال المملكة العظام في باحة قصر الاسقف الكبيرة . فظهر أمامهم بوجه حزين . وبكلام فصيح مؤثر كان ينوح على ”الجريمة والتجديف ويوم الحزن والعار“ الذي حل بالامة. وقد طالب رعاياه المخلصين بان يساعدوا في استئصال الهرطقة الوبائية التي كانت تتهدد فرنسا بالدمار، ثم قال: ”وعلى قدر ما أنا متأكد من أنني ملكك م أيها السادة لو رأيت عضوا من أعضاء جسمي ملطخا أو مصابا بهذا التعفن والفساد الكريه لكنت أقدمه اليكم لكي تبتروه... وأكثر من هذا فلو علمت ان أحد أبنائي متنجس بهذه الهرطقة لما أبقيت عليه ... بل كنت أسلمه بنفسي وأقدمه ذبيحة لله“. وقد انهمرت الدموع من عينيه فاحتبس صوته ولم يستطع ان يتكلم، فبكى كل ذلك الجمع، وصاحوا يقولون بصوت واحد: ”اننا سنعيش ونموت في سبيل الدين الكاثوليكي“ (٢٠٧).GC 254.1

    ما كان أرهب تلك الظلمة التي شملت أمة رفضت نور الحق ! لقد ظهرت ”النعمة المخلصة“، لكنّ فرنسا بعدما شاهدت قوتَها وقداستها وبعدما اجتذب جمالُها آلافا من النفوس، وبعدما استنارت المدنُ والقرى بنورها، ارتدت الى الوراء اذ اختارت الظلمة ورفضت النور . لقد طرحوا عنهم هبة السماء قالوا عن الشر خيرا وعن الخير شرا الى أن سقطوا ضحايا خداع النفس العنيد . والآن فمع أنهم يعتقدون فعلاً انهم باضطهادهم شعب الله إنما يؤدّون له تعالى خدمة فإن ذلك الاخلاص لم يبررهم . انهم بكل عناد رفضوا النور الذي كان يمكن أن ينقذهم من الخداع ومن تلطيخ أرواحهم بدماء ضحاياهم الابرياء.GC 254.2

    Larger font
    Smaller font
    Copy
    Print
    Contents