ايمان الولدنسيين
الولدنسيون كانوا في طليعة من قاومو ا اعتداءات السلطة البابوية . ففي البلاد نفسها التي ثبتت فيها البابوية كرسيها لاقت أباطيلها وأكاذيبها ومفاسدها اقسى مقاومة . وقد ظلت كنائس بيدمونت محتفظة باستقلالها عدة قرون، ولكن اخيرا جاء الوقت الذي فيه أصرت روما على اخضاع تلك الكنائس لسلطانه ا. وبعد حروب غير مجدية ضد طغيان روما اعترف رؤساء هذه الكنائس مكرهين بسيادة تلك القوة التي بدا كأن كل العالم يبدي لها ولاءه وهو صاغر . ومع ذلك فقد وُجد بعض من رفض الخضوع للبابا أو للاساقفة . اولئك أصروا عل ى تقديم ولائهم لله وحده والاحتفاظ بنقاوة إيمانهم وبساطته . وقد حدث انفصال . فالذين ظلوا متمسكين بايمانهم القديم انسحبوا بعيد ا. بعض منهم هجروا وطنهم في جبال الالب ليرفعوا راية الحق في بلدان غريبة، بينما تراجع غيرهم الى الوديان الصغيرة المنعزلة والمعاقل الصخرية في الجبال حيث احتفظوا بحريتهم في عبادة الله.GC 71.1
ان الايمان الذي اعتنقه المسيحيون الولدنسيون وعلَّموا به عدة قرون كان على نقيض التعاليم الكاذبة التي قدمتها روم ا. لقد كانت عقائدهم الدينية مؤسسة على كلمة الله المكتو بة، وهي دستور المسيحية الحقيقي . لكنّ اولئك الفلاحين الوضعاء الذين كانوا يعيشون في معتكفاتهم الخفية، وقد عُزلوا عن العالم وهم دائبون على عملهم اليومي بين قطعانهم وكرومهم، لم يصلوا، من تلقاء انفسهم، الى معرفة الحق الذي هو على نقيض عقائد الكنيسة المرتدة وضلالاتها. ان ايمانهم لم يكن حديث العهد، لكنّ عقيدتهم الدينية كانت هي الارث الذي اخذوه عن آبائهم . لقد حاربوا وناضلوا دفاعا عن ايمان الكنيسة الرسولية : ”الايمان المسلم مرة للقديسين“ (يهوذا ٣). ان كنيسة المسيح الحقيقية حارسة كنوز الحق المودع بين ايدي شعبه ليعطى للع الم كانت هي ”الكنيسة في البرية“، لا السلطة الدينية المتكبرة المتربعة على عرشها في عاصمة العالم.GC 71.2
من بين أهم الاسباب التي ادت الى انفصال الكنيسة الحقيقية عن روما الكراهية التي ابدتها هذه ليوم السبت المنصوص عنه في الكتاب . وكما سبق للانبياء ان تنبأوا فقد طرحت السلطة البابوية الحق على الارض، فديست شريعة الله في الثرى بينما عظّم الناس التقاليد والعادات البشرية ومجدوه ا. والكنائس التي كانت خاضعة لحكم البابا ارغمت من البدء على اكرام يوم الاحد كيوم مقدس. وفي وسط الضلالات والخرافات السائدة ارتبك كثيرون حتى من شعب الله الامناء الى حد انهم مع كونهم قد حفظوا السبت كفوا عن العمل في يوم الاحد ايض ا. لكنّ هذا لم يكن ليرضي الرؤساء البابويين . فقد امروا الشعب لا ان يقدسوا يوم الاحد فقط بل ايضا ان يدنسوا يوم السبت، وبأقسى الالفاظ وأشدها توعدوا من يكرمونه . ولم يتمكن احد من حفظ شر يعة الله في سلام الا بالهروب من تحت سلطان روما.GC 72.1
كان الولدنسيون في طليعة شعوب اوروبا في الحصول على ترجمة الكتاب المقدس (انظر التذييل ). فقبل ايام الاصلاح بمئات السنين كانت في حوزتهم نسخ منه مكتوبة بخط اليد وفي لغتهم الوطنية . لقد كان بين ايديهم الحق الالهي ا لنقي لا تشوبه شائبة، وهذا جعلهم هدفا للكراهية والاضطهاد . لقد اعلنوا ان كنيسة روما هي بابل المرتدة الوارد ذكرها في سفر الرؤيا، فتصدوا لمقاومتها ومحاربة مفاسدها مخاطرين في ذلك بحياتهم . وفي حين ان بعضا منهم عرضوا إيمانهم وعقيدتهم للهوان اذ تنازلوا شيئاً فشيئ اً عن مبادئهم المميزة تحت ضغط الاضطهاد الطويل الأمد فان آخرين ثبتوا متمسكين بالحق . وعلى مدى عصور الظلم والارتداد وجد بعض الولدنسيين الذين انكروا على روما سيادتها، ورفضوا عبادة الصور على انها وثنية، وقد حفظوا السبت الحقيقي . وظلوا محتفظين بايمانهم تحت اقسى عو اصف المقاومة . فمع انهم طُعنوا بحراب آل سافوى ولسعتهم نيران البابوية وأحرقتهم فقد ظلوا ثابتين لم يتراجعوا قيد أنملة، بل دافعوا عن كلمة الله وكرامته بلا خوف.GC 72.2
وخلف الحصون العالية في الجبال التي كانت ملاذا للمضطهَدين على مر العصور وجد الولدنسيون مخبأ لهم . في تل ك الاماكن ظل نور الحق متألقا ومضيئا في وسط ظلام العصور الوسطى، ولمدى الف سنة حفظ شهود الحق الايمان القديم نقيا هناك.GC 73.1